app

عاشوراء في فكر الإمام الصدر.. نُصرة الحق ومقاومة الظلم وحفظ كرامة الإنسان


المحامي ضياء الدين محمد زيباره
المستشار القانوني للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى 

في شهر محرم الحرام ، الذي تلازم هذا العام مع شهر الغياب ، وانطلاقا من كون الإمام السيد موسى الصدر هو أحد أبرز العلماء والمفكرين المعاصرين ، لا بد من قراءة عاشوراء من خلال فكره.

 فبمراجعة محاضراته ، يتبين أن أبعاد عاشوراء في فكر الإمام ، تمحورت حول صراع الحق والباطل ، صراع المظلوم مع الظالم ، سواء أتى هذا الباطل وهذا الظلم من الخارج كما هو الحال مع إسرائيل وما سبقها من احتلالات متتالية على لبنان ، أو كان مع الداخل كمقارعة الفساد الذي أوصَلَنا الى ما وصلْنا اليه.

بُعد آخر تحدث عنه الإمام الصدر مراراً وهو عدم حصر الذكرى بالبكاء والنحيب ، بل بالسير على نهجه الذي هو مطلب الإصلاح في الأمة ، الإصلاح الديني ، والإصلاح الأخلاقي ، والإصلاح الاجتماعي ، والإصلاح المالي ، والإصلاح الاقتصادي ، الى ما هنالك . مع التأكيد على وجوب إحياء هذه الذكرى فعلاً ونهجاً مهما اشتدت المخاوف.

ففي خطبة له بتاريخ 22\1\1975 قال سماحته:
( كان للحسين ثلاثة أعداء ، أولهم الذين قتلوا جسد الحسين ، وهؤلاء ظالمون.
وثانيهم ، الذين حاولوا إزالة آثار الحسين ، فهدموا قبره ، وحرثوا الأرض التي دفن فيها ، وضعوا المآتم كما فعل العثمانيون . وهذا الصنف أخطر من الصنف الأول ، لكنه عجز عن تنفيذ خطته ، كما برز ذلك ، حيث نشاهد في مثل هذا اليوم أكثر من مئة مليون يحتفلون في العالم .‏
أما الصنف الثالث من الأعداء ، فهم الذين أرادوا تشويه أهداف الحسين وتجميدها وحصر ذكراه بالبكاء والنحيب ، فهؤلاء هم أخطر الأعداء لأنهم يقلعون جذور الفكرة ).‏

وفي خطبة أخرى ، شبّه الإمام الصدر الحاضر بالماضي ، وتساءل:
( ألا ترَون الحق لا يُعمل به ، والباطل لا يُتناهى عنه ؟". وتكلم طويلاً عن الصراع بين الظالم والمظلوم ، صراع الحق والباطل . وقال : "هل هناك مَن يشك في أنّ "إسرائيل" ظالمة ؟ "إسرائيل" اغتصبت الأرض ، وشرّدت الشعب ، وقتلت الأبرياء ، وتحاول أن تستمر في الإعتداء بحجة حماية النفس ، وقد ضللت الفكر العالمي ).

وأكمل:
( نحن في هذا البلد نؤمن بضرورة الدفاع أمام إسرائيل ، لأجل الوطن ولأجل الجنوب ولا نقبل أن يُتآمر عليه . ونحن نؤمن في هذا الوطن بأن المقاومة الفلسطينية تمثل حقًا مقدسًا لا نتنازل عنها ، ولو عذبتمونا ، ولو هلكتمونا).

وتطرق في محاضرة أخرى الى كيفية إحياء عاشوراء أيام الاحتلال العثماني ، في إشارة منه الى ما تقدم ذكره من وجوب الإستمرار في إحياء الذكرى مهما اشتدت المخاوف ، فقال:

(بعض آبائنا... يتذكرون أنهم كانوا يحتفلون بذكرى عاشوراء في السر ، وأنهم كانوا يراقبون ويحافظون عليها أمام الظلم العثماني المسيطر . فيحتفلون في الليالي ، وفي الأحياء. ويجعلون عيونًا ومراقبين على مداخل البيت ، حتى إذا جاءت زبانية بني عثمان يفرقون الاجتماع ، ويتسترون بلقاء عادي ، حرصًا منهم على بقاء هذه الذكرى بين أيديهم، جزاهم الله عن الدين وعنا خيرًا).

وعن مطابقة أهداف عاشوراء مع الواقع وكيفية الإستفادة من أهداف وثورة الإمام الحسين في حياتنا قال سماحته :
( ونستمع إلى ما عاناه الحسين في سبيل الله . نستمع إلى معاناته ، ومعاناة أصحابه ومعاناة أهل بيته ، في سبيل الحق ، في سبيل دفع الظلم ، في سبيل صيانة كرامة الإنسان... في سبيل مؤاساة المظلوم ، نعيش زمانًا ومكانًا يأخذاننا إلى تلك الواقعة.
 ماذا يعني فرعون؟ يعني كل طاغية ، كل ظالم : ﴿ إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا ﴾ [القصص، 4] كما جعلونا في هذا الوطن شيعًا وفرقًا.
لا نركع ، ولا نخضع ، ولا نقبل بالظلم والطغيان ، ولا نستسلم ولا نترك ما نؤمن به ، نحن نؤمن بلبنان وحدةً وإنسانًا وبلدًا يدافع عن الحق ، ويتساوى فيه المواطنون في الحقوق والواجبات ، نرفض الامتيازات والتسلط ).

وهو الذي قال في خطبة له بتاريخ 10\\4\1974 :
(احتفالات عاشوراء كانت ، منذ أن كانت ، إحتفالات دينيّة ترمي إلى هدف سياسيّ ، وهو محاربة الظلم والطغيان عبر العصور). 

( خرج الحسين (ع) من مكة الى الصحراء قائلاً : " خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف.. وكأنّي بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منّي أكراشاً جوفاء وأجربة سغباء ".. ثم ينهي خطبته الشهيرة بقوله : " إني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما ، ألا ومن كان منكم باذلاً مهجته متشوقاً الى لقاء الله فليرحل معنا "..

ثم ذهب فلاقى مصرعه ومصارع أهله وأصحابه جميعاً ، وملأ مسامع العالم خبر استشهاده وطنين شعاراته وبريق بطولاته وجرائم أعدائه ، وبدأت الاحتجاجات والندامات والتوبات والثورات تغطّي أرجاء العالم الإسلامي ، فهزّت عروش الظالمين وأسقطت كيان المنحرفين ، وامتدت الشعلة الإنسانية الطاهرة التي أوقدها الله بدمائهم الى أفق الدهر والتاريخ..‏.)

من خطبة لسماحته يوم رأس السنة الميلادية في 31/ 12/ 1976 الذي صادف وقوعه يوم العاشر من محرم.

السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله ، ونوح نبي الله ، وإبراهيم خليل الله ، وموسى كليم الله ، وعيسى روح الله ، ومحمد حبيب الله.
السلام على الإمام المغيب المفكر العظيم السيد موسى الصدر.

Share this

Related Posts

Previous
Next Post »